نماذج من النقد التطبيقي للشعر نصوص محللة - الدراسات البلاغية والنقدية - ثالث ثانوي

£3 رابط الدرس الرقمي www.ien.edu.sa الموضوع الرابع : نماذج من النقد التطبيقي للشعر (نصوص محللة) أولا : نقد قصيدة قديمة الخنساء نسبها : هي الخنساء بنت عمرو بن الحارث بن الشريد بن رياح بن يقظة بن عصيّة بن خفاف بن امرئ القيس بن بهثة ابن سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر واسمها تماضر . والخنساء لقب غلب عليها، وفيها يقول دريد بن الصمة (1) ، وكان خطبها فردته وكان رآها تهنأ (2) بعيرًا، فقال : حيوا تماضر واربـعـوا صـحـبـي أخناس قد هــام الفؤاد بكم وقفوا فإن وقوفكم 28 ابه تبَل من (3) الوحدة الثانية دراسات نقدية مولدها ووفاتها : ولدت الخنساء سنة 575م، ونشأت في بيت جاه وثروة، ثم اقترنت بعبد العزى، وأنجبت له (عمر) المعروف بأبي شجرة، واقترنت مرة أخرى بمرداس السلمي فولدت له عدة أولاد اشتهروا بالفروسية والشعر، وكان لها أخوان : معاوية وصخر وكان صخر يعطف عليها عطفا خاصًا، قتلا في الجاهلية، وكان لمقتلهما أثرًا كبيرًا في نفسها، فبكت حتى تقرحت مقلتاها بل حتى عميت وذاب قلبها التياعًا ورثتهما بشعر رقيق وخصت صخرًا بالقسم الأكبر منه . والخنساء من أهل نجد عاشت أكثر عمرها في العصر الجاهلي وأدركت الإسلام وأسلمت مع بنيها، وكانت وفاتها سنة 24هـ. مقتل أخيها صخر : روى أبو عبيدة عن أبي بلال بن سهم أسد أنه قال : "اكتسح صخر أموال بني وسبى نساءهم، فأتاهم الصريخ، فتبعوه فتلاحقوا بذات الأثل (4) ، واقتتلوا قتالا شديدًا، فطعن ربيعة بن ثور الأسدي صخرًا في جنبه، (1) هو من الأبطال المعمرين، وهو شاعر جاهلي، كان سيد بني جشم وفارسهم وقائدهم . غزا نحو مائة غزوة لم يهزم في واحدة منها، أدرك الإسلام ولم يسلم فقتل على دين الجاهلية يوم حنين سنة 58 هـ. (2) هنأت البعير أي طلته بالهنا وهو القطران . (3) خناس : الخنساء . التبل : السقم . (4) في بلاد تميم الله بن ثعلبة، كانت لهم بها وقعة مع بني أسد اللغة العربية 139 الأليم Minis Education 2024 6

وزارة التعليم Ministry of Education 2024-1446 " وفات القوم فلم يقعص وجوي منها (1) ، ومرض قريبًا من حوله، حتى مله أهله . قال : فسمع صخر امرأة وهي تسأل سليمى امرأته : كيف بعلك ؟ فقالت سليمى : لا حيٌّ فيُرجي، ولا ميت فينعى، لقينا منه الأمرين " ! وزعم أبو بلال أن صخرًا حين سمع مقالة سليمى امرأته قال : الله أرى أم صخر لا تمل عيــــــــــــادتــي وما كنت أخشى أن أكون جنازة وأي امرئ ساوى بأم حليلـ وملت سليمي مضجعي ومكاني عليك، يغتر بالحدثــــــــــــــان ومن فلا عاش إلا في شـــــــقى وهوان فلما طال عليه البلاء، وقد نتأت قطعة مثل اللبد في جنبه في موضع الطعنة قالوا له : لو قطعتها لرجونا أن تبرأ . قال : شأنكم . فأشفق عليه بعضهم فنهاهم ، وقال : الموت أهون علي مما أنا فيه. فأحموا له شفرة ثم قطعوها فيئس من نفسه . وسمع صخر أخته الخنساء تقول : كيف كان صبره؟ فقال صخر في ذلك : فإن تسأليني هـل صـبـرت فـإنني كأني وقد أدْنَوْا عليّ شفارهم ثم ما لبث أن مات ودفن في مكانه . شعرها : صبور على ريب الزمان صليب الصبر دامي الصفحتين ركوب من للخنساء ديوان شعر كله رثاء أخويها، ولا سيما صخر، وحين نطالع الديوان نشعر أننا في مأتم، نسمع الأنين والرثاء ، وكأننا أمام موسيقى الموت وأنغام القضاء، ترافقها الدموع السخية الجارية التي تقرّح الجفون وتلهب العيون . إن ديوان الخنساء يكشف عن امرأة أصيبت في الصميم، وفقدت أغلى ما تملك في هذه الحياة، فقدت به عماد حياتها وزينتها، وزينة شباب الحيّ، فقدت أخًا كان للحرب سيفًا بتّارا، وللمجالس سيدًا مختارًا، وللقرى والضيافة نحارًا ، وللنجدة فارسًا مغوارًا . والخنساء في رثائها تتمثلُ أخاها وتخاطبه، وتُصوّره بحب أخوي صادق، وتُطنب في وصفه، ولا تمل من تكرار هذه الأوصاف، فهو ملء العين والنفس والقلب، وكل ما في الحياة يعيد لها ذكرى أخويها، ويثير في نفسها الشجون، فتبكي وتبكي ولا تمل من مخاطبة عينيها والعينان تجيبان بذرف الدموع المتواصلة بغزارة، وبلا انقطاع ، وإذا لوعتها تطول فلا يُثنيها عن الانتحار سوى كثرة الباكين حولها : على إخوانهم لقتلت نفسي ولولا كثرة الباكين حولي (1) قعصه وأقعصه : ضربه أو رماه فمات مكانه . جوي : أصابه الجوى أي الشلل وتطاول المرض . (2) اللبد : كل شعر أو صوف متلبد، أي متجمع. 140 242 ٠٨٤

وحين نطالع أشعار الخنساء في الرثاء ننسى أننا أمام امرأة شاعرة، إذ تتحول الأنوثة عندها إلى رجولة وبطولة، فإذا نحن في وسط القتال والمعارك، حيث يتنازل الأبطال ويتصارعون ، وإذا الأبيات تتتابع قوية صاخبة، منطلقة بوقع ملحمي شديد حتى نكاد نسمع قرع السيوف وصهيل الخيول، وحين تتحول من وصف شجاعة أخويها إلى وصف حالها بعدهما نرى العاطفة الصادقة المتدفقة تسيطر على الخنساء كل موقف . وهكذا فإن رثاء الخنساء هو مزيج من شدة ،ولين وبكاء ،وأنين وشكوى وحنين وقد بلغت بشعرها أعلى مراتب الشهرة، فإذا حزنها الكبير ولوعتها التي لم تنقض جعلاها تغوص في أعماق النفس البشرية تجتلي الضعف الإنساني أمام قساوة وزرها والموت الرهيب، مستسلمة حينًا، ورافضة في معظم الأحيان، تمجد القوة والنصر ، وتبتغي الحياة فلا تلقى إلا موتا زؤامًا. وهكذا فإن الخنساء ملأت الدنيا نحيبًا ودموعًا وعويلا ، وزرعت أشعارها في قلب كل إنسان حزين، وعبّرت بأشعارها الرقيقة أصدق تعبير عن مرارة فقدان الأهل والإخوان وألم الموت، وصوّرت التجربة الإنسانية المؤلمة أدق تصوير فكان شعرها خالدًا ،نحسّه ، ونتجاوب معه، وننفعل به انفعالا شديدًا. 1 - قذَيَّ بعيْنَيْك أم بالْعَيْن عوّارُ أَمْ ذَرَّفَتْ إِذْ خَلَتْ مِنْ أَهْلَهَا الدَّارُ 2 ـ كَأَنّ عَيْنِي لِذِ كُرَاهِ إِذَا خَطَرَتْ فَيْضٌ يَسِيلُ عَلَى الْخَدَّيْنِ مِدْرَارُ ر و رو ـار -3 - تَبْكِي لِصَخْر هِيَ الْعَبْرَى وَقَدْ وَلَهَتْ وَدُونَهُ مِنْ جَديد التُّرْب أَسْتَـ رَابَها الدَّهْرُ إِنَّ الدهرَ ضَرّارُ 4 - تَبْكِي خُنَاسٌ عَلَى صَخْرٍ وَحُقَّ لَهَا 5 - لابد من ميتَةٍ فِي صَرْفِهَا غِيَرٌ وَالدَّهْرُ فِي صَرْفِهِ حَوْلٌ وَأَطْوَارُ 6 - وَإِنَّ صَخْرًا لَوَالِينَا وَسَيِّدُنَا وَإِنَّ صَخْرًا إِذَا نَشْتُوا لَنَجَّارُ 7 - وَإِنَّ صَخْرًا لَمَقْدَامُ إِذَا رَكِبُوا وَإِنَّ صَخْرًا إذا اعُوا لَعَفَّارٌ 8 - وَإِنَّ صَخْرًا لَتَأْتَمُ الْهُدَاةُ بِهِ كَأَنَّهُ عَلَمٌ في رَأْسِهِ نَارُ و - جَلْدٌ جَمِيلُ الحَيَّا، كَاملٌ وَرحٌ وَلِلْحُرُوبِ غَدَاةُ الرَّوْعَ مِسْعَارُ 10 - حَمَّالُ الْوِيَة، هَبَّاطُ أَوْدِيَة هَادُ أَنْدِيَةِ، لِلْجَـيَّـش جَرَّار حينَ يُخْلِ خُلِي بَيْنَهُ الْجَارُ 11 فقد 28 - لَمْ تَرَهُ جَارَةٌ يَمْشِي بِسَاحَتِهَا 12 - وَلا تَرَاهُ وَمَا فِي الْبَيْت يَأْكُلُهُ لَكِنَّهُ بَارز بالصَّحْنِ مِهْمَارُ 13 - قَدْ كَانَ خَالِصَتِي مِنْ كُلِّ ذِي نَسَبِ أُصِيبَ فَمَا لِلْعَيْشِ للعيش أوْطَارُ 14 - لِيَبْكه مُقْتِرٌ أَفْنَ نَى حَرِيبَتَهُ دَهْرٌ وَحَالَفَهُ بُؤْسٌ وَإِقْتارُ 15 - وَرِفْقَةٌ حَارَ هَادِيهِم بَمَهْلَكَةِ كأَنَّ ظُلْمَتُهَا فِي الطَّخْيَةِ الْقَارُ 16 - لا يَمْنَعُ الْقَوْمَ إِنْ سَالُوه خَلْعَتَهُ وَلَا يُجَاوِرُهَا بالليل مَرَّارُ اللغة العربية الوحدة الثانية دراسات نقدية 141 التعليم Minis 2024 Education 6

242 *** ٠٨٤ الشرح : 1 - قذَى بعينيك أم بالْعَيْنِ عـوّار أمْ ذَرَّفَتْ إِذْ خَلَتْ مِنْ أَهْلِهَا الدَّارُ القذى : هو الغمص والرمص، وقال أبو عبيدة : القذى : جمع قذاة وهو ما يقع في العين والماء من تراب، أو تبن أو وسخ وغيره . العوار : الذي يجده الإنسان في عينه شبه الحصاة أو العود من الرمد، ويُقال الرماد، والعوار هو الرمص الذي يعترض في العين طولاً ذرّفت : أي مطرت مطرًا متتابعا لا يبلغ أن يكون سيلًا المعنى : بدأت الخنساء قصيدتها باستفهام عن هذا البكاء، وهي هنا تخاطب نفسها باستخدام كاف الخطاب ( بعينيك)، فيما يسمى بالتجريد : لماذا تذرفين الدمع ؟ أهو مرض أصاب عينيك ؟ أم هل وقع فيها شيء ؟ أم تبكين لأن الدار خلت من أهلها ؟ وكثرة الاستفهامات والتساؤلات عند الخنساء يُرجعها النقاد إلى حالة الذهول التي أصابتها من فقد أخيها . والبيت الأول في بعض الروايات : ما هاج حزنك أم بالعين عوار أم أوحشت إذ خلت من أهلها الدار وخطاب الخنساء لعينيها تكرّر بصور مختلفة في رثائها لأخيها، فمرة تحثها على البكاء في قولها : أعيني هلا تبكيان على صخــ فتستفرغان الدمع أو تذريان ومرة نجد عينها تأبى الرقاد في قولها : بدمع حثيث لا بــكــي ولا نــزر على ذي النهى والنائل الغمر أبت عيني وعاودت الســـودا وبتُ الليل مكتئبا عميدًا ومرة تأمرها بالبكاء الشديد كقولها : ألا يا عين فانهمــري بعـــــــ ولا تعــــدي عـــزاء بعــد صـخــــر وقولها : أيا عيني جُودا ولا تجمدا وقولها : وفيضي عبرةً من غير نزر فقد غابَ الـعـزاءُ وَعِيلَ صَبري ألا تبكيان لصخ يا عين جودي بدمع منكِ مِغْزَارُ وابكي الصخر بــدمــع منك مدرار إني أرقتُ قَبتُ الليل ساهرة كأَنَّما كُحِـلَـتْ عينـي بــــــــوار وزارة التعليم Ministry of Education 2024-1446 142

الوحدة الثانية دراسات نقدية وبما أن عينها دائمة البكاء منهمرة الدموع فهي تُشبهها في قولها : 2 ـ كَأَنّ عَيْنِي لِذِ كْرَاهِ إِذَا خَطَرَتْ فَيْضٌ يَسِيلُ عَلَى الْخَدِّيْنِ مِدْرَارُ الفيض : المطر الغزير . المعنى : تشبّه عينيها إذا تذكرت أخاها وخطر على بالها بالمطر الغزير الذي يسيل بقوّة على خديها والدموع، عند الخنساء دائمًا كالمطر في قولها : ( ألا يا عين فانهمري بغزر ، وبدمع منك مغزار . وبدمع منك مدرار ) . وفي قولها ( لذكراه ) نجد التذكر عادة - للشيء المنسي، وهنا تقرّر الخنساء الاستجابة الطبيعية للطبيعة البشرية التي جُبلت على النسيان، لكن سرعان ما يخطر لها، وتذكره فتبكي رو -3- تبكي لِصَخْر هِيَ الْعَبْرَى وَقَدْ وَلَهَتْ وَدُونَهُ مِنْ جَدِيدِ التُّرْب أَسْتَـ العبرة : التي لا تجف عينها من الدموع، قيل لها عبرى لهملان دموعها والعبرى هنا صفة للخنساء الواله : التي قد شفّها الحزن على ولدها والواله – أيضًا - : المشتاق . الوله : ما يصيب الرجل والمرأة من شدة الجزع عند المصيبة . جديد الترب ما أثير من باطن الأرض، وعند بعضهم : أي صار في باطن الأرض. وجديد الأرض : بطنها . أستار : ظُلَم . وقيل : اللبس ستر والتراب ستر، وما يقي ستر. المعنى : تخبرنا الخنساء وهي العبرة التي لا تجف عينها من الدموع، عن سبب بكائها : إما أن يكون شوقًا لأخيها الذي حال التراب المتجدد فوقه بينه وبينها فحُرمت من رؤيته، أو تبكي هول مصيبتها عندما وضع في القبر في باطن الأرض. وقد دعت على من حمله ووضعه في القبر في قولها : ألا ثكلت أم الذيـــــــن غـــــــــدوا به وماذا ثـوى فـي اللـحـد تحـت تـرابـه فهي تجزع من هذه الحقيقة ومن إخبارها بها في قولها : قالوا ابن أمك أمسى في التراب إلى القبر ماذا يحملون إلى القبـ نير يا بؤس الحوادث والدهر من وقد ستروا عليه بأثواب وأمجاد فهي مستمرة في البكاء عليه . اللغة العربية 143 ة العليم Minis Education 2024 6

242 *** ٠٨٤ 4 - تَبْكِي خُنَاسُ عَلَى صَخْرٍ وَحُقَّ لَهَــــا إذْ رَابَها الدَّهْرُ إِنَّ الدهرَ ضَرَارُ خناس : ترخيم الخنساء رابها أضرّ بها . ضرار : لا يصفو لأحد . : المعنى : مازالت تبكي على صخر وتلتمس لنفسها العذر ؛ لأنها ترى أن الدهر قد غدر بها وأضرّها، ثم تقرر قناعة قد توصلت إليها، هي (إنّ الدهر ضرَّارُ ) ، وهي تؤمن بهذه الحقيقة، ونراها تُعزي نفسها بقولها : 5 - لابُدَّ مِنْ مِيتَةٍ فِي صَرْفِهَا غِيَرٌ وَالدَّهْرُ في صَرْفِهِ حَوْلٌ وَأَطْوَارُ صرفها : تصرفها . حول : أي يحول، ويتقلب بأهله غير متعددة أطوار : أي أحوال ومراحل متغيرة . المعنى : تعزّي الخنساء نفسها في هذا البيت بأنّه لابد من ميتة للإنسان، وإن تعددت أشكال الموت، فذلك راجع لطبع الأيام التي لا تستقر على حال، وقد عزّت نفسها كثيرًا في قصائد أخرى، كقولها : كل ابن أنثى بريـــب الدهر مرجوم وكل بيت طويل السمك مهدوم وقولها : ولولا كثرة الباكيـن حــولـــي على إخـــــوانـــهــم لقتلتُ نفسي وفي هذه القصيدة لم تكتف الخنساء بالاستسلام لحقيقة الموت على تعدّد أشكاله على أنها عزاء، بل نراها تُعزّي نفسها بتعداد مآثر أخيها وفضائله : 6 - وَإِنَّ صَخْرًا لَوَالِينَا وَسَيِّدُنَا وَإِنَّ صَخْرًا إِذَا نَشْتُوا لَنَجَّارُ 7 - وَإِنَّ صَخْرًا لَمِقْدَامٌ إِذَا رَكِبُوا وَإِنَّ صَخْرًا إذا جَاعُوا لَعَفَّارُ 8 - وَإِنَّ صَخْرًا لَتَأْتَمُ الْهُدَاةُ بِهِ كَأَنَّهُ عَلَمٌ في رَأْسِـــــــــ نَــــــارُ الولي : يجري في الصفة على المعان والمعين، والولي : الذي يحبّ الخير لوليه . نحار : الذي ينحر في شدة الزمان والبرد، فيُطعم . عقار : ينحر الإبل . تأتم : تهتدي . الهداة : الأدلاء، وقالوا: الذين يهتدى بهم في الأمور والشرف . عَلَم : جبل . المعنى : تُخبر الخنساء وتُعدّد فضائل أخيها، فهو الولي والمعين الذي يحب الخير لهم، وهو سيدهم وكافيهم مؤونة الأيام، ينحر في ليالي الشتاء فيطعمهم تلك مآثره على أهل بيته، ويدل عليها ( الناء ) في قولها ( لوالينا، وسيدنا، ونشتوا) . وزارة التعليم Ministry of Education 2024-1446 144)

الوحدة الثانية دراسات نقدية أما فضله على القبيلة فهو الذي يتقدمهم إذا تحرّكوا لغزو وركبوا له في وقت الحرب، دلالة على 6 شجاعته، ويعقر لهم الإبل ؛ ليطعمهم في موسم الجفاف والفقر والجوع دلالة على كرمه وجوده، وهو قائد الرؤساء والهداة فيهتدون به في أمور الشرف، دلالة على سموّ خلقه، وعلو قدره، فكأنّه الجبل أُوقدت النار أعلاه، وفي رواية ( أغر أبلج تأتم الهداة به ) . الله وقد أبدعت الخنساء في ذلك التشبيه، وكأننا بها قد رفعت رأسها لتنظر إلى ذلك الجبل وقد ولهت عليه، فارتسمت صورته أمامها فوصفته في قولها : و ـ جَلْدٌ جَمِيلُ الْحَيَّا، كَاملٌ وَرحٌ .9 وَالْحُرُوب غَدَاةُ الرَّوْع مِسْعَارُ جلد : من الجلادة وهو صلابة البدن . المحيا : الوجه . مسعار : موقد ومشعل . المعنى: وصفته من الناحية الجسدية فهو صلب البدن، جميل الوجه، وقد وصفته كذلك بقولها: مثل الرُدَيْنِيّ لم تنفذ شبيبته كأنه تحـــــــت طــي البــرد إســــــــوار أي كانت له قامةٌ مستقيمة طويلة كالرمح، شابا يبدو وقد طوى ثوبه على جسمه قليل اللحم كالإسوار، كناية عن فتوته وعدم ترهّل جسمه. فقد جمع بين جمال الصورة وجمال الفعال، فهو كامل ورع يترفع عن الدنايا، وهذا الجمال في الشكل لم يُكسبه رخاوة أو خنوعًا، بل هو إلى ذلك في وقت الحرب مقدام يقتحم غمارها، واستمرّت تعدد مآثره في قولها : 10 - حَمَّالُ الْوِيَةِ، هَبَّاطُ أَوْدِيَةٍ شَهَّادُ أَنْديَة، لِلْجَــيْـش جـرار 28 ألوية : جمع لواء وهو راية الحرب . أندية : المحافل المهمة . جرّار : قائد المعنى : هو قائدٌ حامل اللواء، وبطل لا يبالي ظلمات الأودية، وسيّد يحضر المحافل المهمة، وقائد يقود الجيش. ومع كل هذه الصفات في ميادين الحرب والبطولة والسيادة، فهو مع جيرانه أكثر سموا في تقول : خُلقه، 11 - لَمْ تَرَهُ جَارَةٌ يَمْشِي بِسَاحَتِهَا لِرِيبَةٍ حِينَ يُخا بَيْتَهُ الْجَارُ ساحتها : قرب بيتها . ريبة : أمر قبيح . المعنى: لقد كان صخر عفيفا شريفا، لم يُعرف عنه فحش، ولم تره جارةٌ وهو يمشي قرب بيتها، ليراودها عن نفسها في غياب زوجها، فالعفّة والكرم من صفاته، ويظهر ذلك جليا في قولها : اللغة العربية 145 ة العليم Minis Education 2024 6

12 - وَلا تَرَاهُ وَمَا فِي الْبَيْت يَأْكُلُهُ لَكِنَّهُ بَارز بالصَّحْنِ مِهْمَارُ الصحن : القدح الكبير ، والجفنة العظيمة مهمار المهمار : اللسن الآمر الناهي، والمهمار هو الذي يُكثر القرى لأضيافه، ويصبّه صبا ، من همر الماء ونحوه ، أي : صبّه . المعنى : ولم تكن تجد بيته خاليًا من الطعام أبدا، بل هو خارج لأضيافه دومًا، وبيده الجفنة الكبيرة، الإطعامهم الطعام الوفير. وقد وصفت جفنته في بيت تقول فيه : القـــــوم أعلم أنّ جـفـنـتـه تغدو غداة الريح أو تـ ريح أو تســـــــري 13 - قَدْ كَانَ خَالِصَتِي مِنْ كُلِّ ذِي نَسَبِ فَقَدْ أُصِيبَ فَمَا لِلْعَيْشِ أَوْطَــــار خالصتي : صفيي وخليلي . أوطار: أغراض . المعنى : قمة الموقف الانفعالي المأساوي يبلغ ذروته في هذا البيت عندما تخبرنا أنه كان أقرب أهلها إليها، إليها، اصطفته منهم، ، وقد فُجعت به، فلم يعد للحياة بعده طعم أو غاية. ولم تُفجع وحدها لفقده بل فُجع به خلق كثير، ذكرت بعضًا منهم في قولها : 14 - لِيَبْكِهِ مُقْتِرٌ أَفْنَى حَرِيبَتَهُ دَهْرٌ وَخَالَفَهُ بُوسٌ وَاقْتارُ مقتر فقير حريبته ماله الذي يعيش عليه وما يقتات به الإنسان حالفه : لازمه. إقتار : ضيق العيش . المعنى : فليبك عليه الفقير الذي لم يعد له من يقيم أوده فلازمه الشقاء والفقر، وليبك عليه كذلك : 15 - وَرِفْقَةٌ حَارَ هَادِيهِم بَمَهْلَكَةِ كان ظُلْمَتُها فى الطَّحَّيَة الْقَارُ فِي الرفقة الصحبة في الرحلة الشاقة البعيدة . الطخية : من الطخاء وهو الغيم الرقيق الذي يواري النجوم، فيتحيّر الهادي والمسافر في تحديد اتجاه السفر، والمعنى : حجب النجوم الغيم فاشتدت الظلمة وتحيّر الهادي . المعنى : وليبك عليه ،رفاقه الذين صاروا دون دليل، وقد تركوا وحدهم في أرض مقفرة، وليلة مظلمة لا نجم فيها . وأرادت أن تختم قصيدتها بذكر ما بقي من مناقبه، فقالت : و 16 - لا يَمْنَعُ الْقَوْمَ إن سألوه خلعته وَلَا يُجَاوِرُهَا بِاللَّيْل مَرَّارُ لا يمنع ما : ما لأجله يتعذر الفعل على القادر ، ومع هذا لا يتعذر خلعته ثوبه أو خيار ماله. المرّار : عابر السبيل . المعنى : وهو جواد، لا يرد طالب معروف، ولو طلب ثوبه، أو خيار ماله لأعطاه، ولا يمكن أن يمر به وزارة التعليم Ministry of Education 2024-1446 ضيف ولو كان ليلا إلا وقدّم له الطعام وأكرمه . 146 242 ٠٨٤

تحليل النص الأدبي من حيث مستويات الشكل : المفردات : الوحدة الثانية دراسات نقدية ألفاظها وعباراتها تتتابع قوية صاخبة منطلقة بوقع ملحمي شديد حتى نكاد نسمع قرع السيوف وصهيل الخيول وألفاظها ذات إيقاع موسيقي تميل إليه النفوس، وقد لجأت إلى الألفاظ القوية التي تعبّر عن هول تلك المصيبة العظيمة التي حلت بها ؛ فأكثرت من صيغ المبالغة في ( مدرار، وضرار، ونحار، ومقدام، وعقار، ومشعار ، والتضعيف في ( ذرّفت ) ؛ للدلالة على كثرة الدموع. كذلك نجد ألفاظها تؤيّد بعضها بعضًا، وتحقق الانسجام في المعنى والتآلف في الصور المتخيلة، وتشعر بذلك في (فيض، يسيل، مدرار). وفي قولها ( أُصيب ) بَنَتِ الفعل للمجهول؛ لأنه لا يعنيها الفاعل بقدر ما آلمها الفعل وهو إصابة أخيها كما وظفت الخنساء في هذه القصيدة العبارات والألفاظ التي جعلتنا نعيش معها ذلك المأتم، نسمع فيه عويل النائحات وكأننا أمام موسيقى الموت وأنغام القضاء، في : ( خلت ، وذكراه، وتبكي، والعبرى، والوله، وجديد الترب، وميتة، وأصيب ) الأسلوب : القصيدة في مجملها ، أخبار، فهي تُخبر عمّن تبكيه ( تبكي الصخر)، وسبب بكائها ( وقد ولهت )، وتخبر لماذا تبكي ( لذكراه ) . وتخبر كذلك عن مآثر وفضائل أخيها في السلم والحرب، لذلك نجدها تكثر من استخدام الجمل الخبرية التي تعمد الأسلوب التقريري؛ لأنها لا تعمد الإثارة، بل الاستغراق في التفاصيل والتلذذ بها، واستخدمت جملة إنشائية ( استفهام ) في البيت الأول، وهذا الأسلوب تكثر منه الخنساء في قصائدها، وهو استفهام يتناسب مع حالة الذهول عن الواقع الذي أُصيبت به بعد فقدها لأخيها صخر. نظم الجمل : عمدت الخنساء في قصيدتها إلى إيجاز فكرتها في البيت الأول ( أم ذرّفت إذ خلت من أهلها الدار)، ثم فصلت بعد ذلك في بقية القصيدة سبب البكاء. وفي قولها السابق نجد أنها قدمت الجار والمجرور ( من أهلها ) على الفاعل ( الدار ) ؛ لأنها لا تبكي لخلو الدار فقط، بل تبكي غياب أهلها عنها وإلى الأبد . عمدت كذلك إلى التقديم والتأخير في أسلوب الشرط في موضعين : ( وإنّ صخرًا لمقدام إذا ركبوا )، و( لا يمنع القوم إن سألوه خلعته، وهذا التقديم أظهر لنا تعامل صخر مع الأحداث (الإقدام / الجود ) كنتيجة متوقعة قبل أن تحدث أفعالها؛ لما عُرف من مكارمه . اللغة العربية 147 ة التعليم Minis Education 2024 6

242 *** ٠٨٤ وفي قولها ( جلد جميل)، و(حمال ألوية ) حذفت المسند إليه المبتدأ (هو)؛ لعنايتها بالخبر المخبر عنه ؛ لشهرة من تخبر عنه فاستغنت بذلك عن ذكر المبتدأ . عن تستند القصيدة كذلك إلى مجموعة من الأفعال المضارعة المتعاقبة والمتراكبة بناءً وحذفًا وإضمارا، وهي : يسيل، وتبكي، وتنفك ، وتأتم، وتره، ويمشي، ويخلي، ويأكله ... وتدل هذه الأفعال على زمن الحاضر، وهو زمن الفعل والإنجاز والتحرك الدرامي، وتحمل هذه الأفعال دلالات سطحية وعميقة تقربنا اللقطات السينمائية الديناميكية الدالة على المواقف الحركية وكأنّها تعيش معه تلك اللحظات وتستشعر وجوده، في ذهول واضح عن حقيقة الموت . من كذلك تستند إلى الأفعال الماضية المرتبطة غالبا إما بإذ الفجائية وهي : إذ خلت، وإذ رابها . وهي تحمل دلالات عميقة تكشف عن امرأة أصيبت فجأة في الصميم وفقدت أغلى ما تملك في هذه الحياة، فقدت به عماد حياتها وزينتها على حين غفلة. أيضًا الأفعال الماضية المرتبطة بإذا وهي : إذا خطرت، وإذا نشتوا، وإذا ركبوا، وإذا جاعوا... لأنها تستبق الإخبار عن نتائج الأفعال ذات الدلالة المستقبلية قبل حدوثها كمسلمات في أخلاقيات أخيها صخر. كذلك ارتباط بعض الأفعال الماضية بقد وهي : وقد ولهت ، وقد كان فقد أصيب . . . لنعيش معها مرارة الفقد المؤكد الذي وجدت نفسها في دوامته . الأفعال الناسخة كذلك كان لها حضور في قصيدتها وهي ما تنفك، كان ... وهي وهي تناسب النسخ في حالها قبل أخيها وبعده، وبذلك فجملها ذات طابع فعلي، وهي جمل بسيطة ذات محمول فعلي واحد ؛ لأن الغرض منها هو الاختصار والتكثيف والاختزال . المجازات : القصيدة قليلة الصور؛ لأن الخنساء لا تهتم بالإبداع الشعري لتسابق الفحول، ولكنها تنفّس عن مشاعر تجيش في صدرها، ولا يعنيها أطربَ السامعون أم نقدوا، ومع ذلك فقد وجدت بعض الصور الرائعة كتشبيهها الدمع بالمطر الغزير في البيت الثاني، وتشبيهها أخيها صخر بالجبل الواضح الذي يهتدي إليه الهداة، وبالغت في وضوحه فجعلت على رأسه نارًا . وفي البيت الخامس عشر شبهت ظلمة الليل وسواده بالقار أو القطران . كذلك نجدها في البيت الأول ( قذى بعينيك ) استخدمت كاف الخطاب ؛ لتخاطب نفسها فيما يسمى بالتجريد، واستخدمت الكناية في ( حمّال ألوية ( كناية عن القيادة ، و ( هبّاط أودية ( كناية عن الجسارة والإقدام وعدم التردد، و( شهاد أندية ) كناية عن السيادة والمكانة الرفيعة ، و ( للجيش جرّار ) كناية عن البطولة. وزارة التعليم Ministry of Education 2024-1446 148

الوحدة الثانية دراسات نقدية الموسيقى : القصيدة من البحر ( البسيط ) ، وضابطه ) إنّ البسيط لديه يُبسط الأمل )، والإيقاع الموسيقي هو الوسيلة الطبيعية للتعبير عن التجربة الانفعالية، والموسيقى شديدة التأثير في الإنسان ؛ لأنها تخاطب فكره وشعوره معًا خطابًا مباشرًا . الموسيقى في الشعر تنقسم إلى قسمين : موسيقى داخلية، وموسيقى خارجية أولا : الموسيقى الخارجية : فالقافية التي اختارتها هي حرف الراء المتميّز بالتكرار والرنين وهو بلا شك يناسب غرضها ( الرثاء ) ؛ لأنه حرفٌ جهور فيه سمة التردّد الصوتي والتكرار، أما المد قبله فكأنه صرخة قوية للتنفيس عن الألم والحرقة، ولكنها سرعان ما تصطدم بحرف الراء المتميّز بالتكرار والرنين فكأنه يُكرّر الألم برنين صاخب فتصحو على واقع مرير فيأتي الرويّ، وهو الضم ليضمّ بين أضلاعها كل ذلك الحزن والألم، وكأنه يقول لها : أنْ لا فكاك . ثانيًا : الموسيقى الداخلية : هي التي استجاب لها حس الشاعرة في اختيارها لألفاظ ذات إيقاع خاص، ونظمها في صورة صوتية تتناسب والمعنى وتكون النتيجة تآلف مقومات الشعر في نفس الشاعرة ووجدانها، وهي قسمان : -1 مدركة، ولها عدة صور: أ- أ التصريع، وهو اتفاق شطري البيت الأول في القافية، وكأنه إيذان بافتتاح القصيدة، من فتح الباب على مصراعيه، وجاء في البيت الأول في ( عوّار / الدار . من ب التكرار، نرى ظاهرة التكرار في الألفاظ واضحة في القصيدة، والكلمة المكررة تمثل مركزا تنطلق وإليه تعود، مثل: ( بعينيك / أم بالعين / كأنّ عيني)، كما نراها تُكرّر كذلك لتبني صورة شعرية جديدة، مثل : ( تبكي لصخر / تبكي خُناس) ، و ( ميتة في صرفها الدهر في صرفه ، كما أنها تكثر من التكرار؛ لأنّ فيه تنقل سريع لمآثر صخر، في ( وإنّ صخرًا لوالينا ، وإن صخرًا إذا نشتوا، وإن صخرًا لمقدام، وإن صخرًا لتأتم . . . ) . = ج الجناس، في : ( ورع / روع)، و(مقتر / إقتار ) . د الترادف المعنوي، في : (سيل / مدار ) ، و ( حول / أطوار ) ، و(بؤس وإقتار ) . هــ حسن التقسيم، في : ( إذ رابها الدهر إن الدهر ضرّار ) ، و ( جلد، جميل المحيا، كامل ورع). و التوازن في العبارات في : ( حمّال ،ألوية وهبّاط أندية، للجيش جرّار ) . ― ز السجع، في : ( ألوية، وأودية، وأندية ) . اللغة العربية 149 ة التعليم Minis Education 2024 6

-2 خفيّة، ومصدرها اختيار المؤثرات الصوتية المناسبة للمعنى بالمواءمة بين الإيقاع ودلالات الألفاظ على المعاني، فنجد العلاقة وثيقة بين الضبط والوضع النفسي في قولها ( تبكي الصخر، تبكي خناس على صخر، نلحظ الجر بالكسر لاسم صخر في هذين الموضعين؛ لأنها تلائم انكسار الخنساء لفقد سندها في الحياة، فالجر بالكسر ضروري هنا؛ ليبرهن الحالة ويصورها، وفي مقابل صورة الانكسار تأتي صورة الفخر بمآثر أخيها ( وإنّ صخرًا لوالينا، وإن صخرًا إذا نشتوا، وإن صخرًا لتأتم ...) نلحظ النصب بالفتح المنوّن؛ لأنها في موضع فخر، فتكرّر ناصبة بالفتح لتنصبه في النهاية جبلا على رأسه نار، فهو علم لا يُحجب . الله وفي قولها (قد كان خالصتي ) نجد المد في ( كان / خالصتي ) يناسب امتداد وقوة العلاقة الأخوية التي تربطهما، ولكن حين خلت الكلمة الأولى من الشطر الثاني ( فقد ) من المد، جاءت ساكنة ( فقد ) ؛ لتحاكي معنى انقضاء الآمال، فتقع سريعة في النطق؛ لتدل على الفناء السريع، تأتي بعدها كلمة ( أُصيب ) لتمد بالكسر حزنًا وانكسارا. المعاني العامة والمعاني الخاصة : بلغت الخنساء أقصى مراتب الشهرة برثائها الحزين ونشيجها المؤلم ولوعتها التي لا تنقضي، وجالت في أعماق النفس تجتلي الضعف الإنساني أمام الموت مستسلمة حينًا، ورافضة في أكثر الأحيان، تمجد القوة والنصر، وتبتغي الحياة فلا تلقى إلا دمارًا وهلاكًا وموتا زؤامًا، وملأت الدنيا انتحابًا ودموعًا وعويلا، وحفرت أشعارها حفرًا في قلب كل موتور حزين، وعبّرت بأشعارها الرقيقة أصدق تعبير عن مرارة الشكل، وألم الموت، وصوّرت التجربة الإنسانية المؤلمة أدق تصوير فكان شعرها خالدًا نحسه، ونتجاوب معه، وننفعل به، وقد استخدمت في قصيدتها المعاني المباشرة التي جعلتنا نشعر بصدق تجربتها. العاطفة : 6 صادقة متدفّقة تسيطر على كل موقف . وهي قصيدة من الشعر الغنائي الوجداني المتميز بالتدفق العاطفي، الذي يبرز في الرثاء الفردي ويُعدّ أعلق في النفس من الرثاء القبلي، وتتفوّق فيه النساء على الرجال؛ لأن الطبع الانفعالي - غالبًا ما يميّز المرأة عن الرجل، ويجعلها أقدر منه على التأثير والتأثر . ويمكن تقسيم القصيدة إلى عدة عناصر : :21 : تساؤل الخنساء عن سبب هذه الدموع، ووصف كثرتها . :43 : تعليل الخنساء لبكائها . 5 : تلتمس لنفسها العزاء بحكمة. وزارة التعليم Ministry of Education 2024-1446 150 242 ٠٨٤

الوحدة الثانية دراسات نقدية :126 ذكر وتعداد مآثر وفضائل صخر على أهل بيته وعلى قومه وجيرانه . 13 : تبلغ القصيدة قمة الموقف المأساوي عندما تتحدث فيه عن مكانته في نفسها، وحالها بعده. 16:14 تعداد من بكى عليه من القوم . : تطبيق خصائص غرض الرثاء في العصر الجاهلي على القصيدة : نجد أن قصيدة الخنساء في رثاء أخيها صخر قد وافقت خصائص الرثاء الفنيّة في العصر الجاهلي وذلك في : - اقترانه بالأغراض الأخرى كالحماسة والفخر ووصف الحرب . اطراده بقصائد ومقطوعات . مجانبة الغرابة اللفظية؛ لأن الشاعر المحزون قريب من فطرته فيبتعد عن الصنعة، ويستخدم من الألفاظ أشبعها وأعلقها بالذاكرة وأيسرها على الألسن. غياب المقدمة الطللية . - إشراك الطبيعة في الحزن، ويتمثل في دورة الحياة الملموسة وعودة الناس إلى أصولهم الترابية ( ودونه من جديد الترب أستار ) . وقد خالفت الخنساء هذه الخصائص في الواقعية والزهد في المبالغة وأكثرت من صيغها في قصيدتها . حقيقة الموت عند الخنساء في الجاهلية والإسلام : من يستعرض شعر الجاهليين في الرثاء يجد فيه الخوف من الموت واضحًا وضوح الحرص على الحياة، ولا يجد إيمانًا بحياة أخرى، أو تصوّرًا لبعث أو حساب، ويؤكد ذلك إنكارهم للبعث في عدد من الآيات ، قال تعالى : وَقَالُوا أَوْذَا كُنَّا عِظَمًا وَرُفَنَّا أَعِنَا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (1) ، لذا طغت ﴿ هذا الشعر النزعة المادية على النزعة الروحية، وظهر ذلك في قصائد الخنساء في الجاهلية. ٤٩ حتى فقدت بصرها أما في الإسلام فحقيقة الموت ،مختلفة، فهو شرفٌ لها خصها الله عزّ وجلّ به؛ إيمانا منها بحياة أخرى يجتمع فيها الأحبة بإذن الله ورحمته فكانت ردّة فعلها بعد تلقيها خبر استشهاد أبنائها الأربعة في معركة اليرموك نموذجًا في التسليم والرضا والإيمان بالقضاء والقدر، فقالت: "الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وإنّي لأرجو الله أن يجمعني بهم في مستقر رحمته". (1) سورة الإسراء الآية : 49. اللغة العربية 151 التعليم Minis 2024 Education 6

تدريبات -1 بم علل النقاد كثرة الاستفهامات في رثاء الخنساء ؟ 2 وظفت الخنساء الأفعال الماضية والمضارعة والناسخة ، فما القيمة الجمالية التي أضفتها على القصيدة في رأيك ؟ -3- ما البيت الذي تبلغ فيه الخنساء قمة تجربتها المأساوية ؟ ولم ؟ 4- علل : خالفت الخنساء النمط السائد لقصيدة الرثاء في الجاهلية. 6 -5- الموسيقى الخفية من أنواع الموسيقى في الشعر ، حدد مواضع منها لم تُذكر في التحليل، واشرحها بأسلوبك . -6 ظهر التوتر في القصيدة في المتناقضات بين الموت / الحياة / الضعف / القوة / السلم / الحرب / الشتاء / الصيف | ساحة المعركة / ساحة المنزل / القريب / البعيد / المسافر / المقيم / الماضي / الحاضر ، فما أثر هذه المتناقضات على الجو العام للقصيدة؟ -7- ما العاطفة التي يكشف عنها هذا البيت ؟ وزارة التعليم Ministry of Education 2024-1446 والدهرُ في صَرْفه حول وأطوار لابد من ميتة في صرفها غير 28 242 ٠٨٤ 702 152