الفقرة: تجارب الحضارات الإسلامية2 [نموذج: الحضارة والانفتاح1]
معنى كلمة (تكريس) في الفقرة الأولى:
حفظ
تقوية
تجميع
كتابة
X
تسجيل الدخول بواسطة
شرح السؤال
الفقرة
تجارب الحضارات الإسلامية2 [نموذج: الحضارة والانفتاح1]
إن الحضارات التي شهدها التاريخ الإنساني قد مرت بثلاث مراحل رئيسة, وهي: مرحلة التكوين، ومرحلة الازدهار، ومرحلة التدهور والانحطاط, ولاشك في أن الحضارة العربية الإسلامية لم تخرج عن هذه التجربة، ففي مرحلة التكوين التي استغرقت قرنين من الزمان تقريبًا الأول والثاني للهجرة- السابع والثامن للميلاد، نجح العرب والمسلمون في بناء حضارة من عناصر ومصادر متعددة، أولها: ما جاء به الإسلام من قيم ومبادئ، تتناول شؤون الدنيا والآخرة. وثانيها: تراث العرب القديم وقيمه الإيجابية، وثالثها: تراث الشرق القديم الذي كان منبعًا ثريًا لحضارة الشرق والغرب في العصور القديمة، ورابعها: إنجازات الحضارة الإغريقية والفارسية والهندية والصينية التي أفاد منها العرب والمسلمون في تكوين حضارتهم, أما مرحلة الازدهار، العصر الذهبي، فقد استمرت زهاء ثلاثة قرون الثالث والرابع والخامس للهجرة والتاسع والعاشر والحادي عشر للميلاد، وفيها أبدع العرب والمسلمون في كل ميادين الحضارة وتزعموا العالم خلالها في العلم والنظام والتسامح والاقتصاد والسياسة, وتتلمذ الأوربيون على أيديهم في كل ميادين العلم والمعرفة، أما المرحلة الثالثة، وهي مرحلة التدهور والانحطاط، فقد بدأت طلائعها منذ القرن السادس- الثاني عشر للميلاد تقريبًا- واستمرت بالنسبة إلى المشرق العربي الإسلامي حتى أواسط القرن الثالث عشر للهجرة التاسع عشر للميلاد.
قبل أن نتناول أسباب التدهور والانحطاط، ينبغي أن نشير إلى بعض الحقائق التي يجب أن نأخذها بعين الاعتبار؛ لأنها تشكّل مدخلًا علميًا لمعالجة الموضوع:
إن التدهور الذي أصاب الحضارة العربية الإسلامية لم يحدث حدوثًا مفاجئًا، دون مقدمات أو مؤشرات، وإنما كان عملية بطيئة تجمّعت عناصرها خلال فترات زمنية طويلة، أي لم تنبثق على الساحة في عصر واحد أو في مكان واحد.
إن ضعف حضارتنا لا يعود إلى عامل أو سبب واحد مهما كان هذا العامل أو ذلك السبب فعالًا ومؤثرًا، وإنما يرجع إلى جملة من العوامل التي تفاعلت مع بعضها خلال فترات تاريخية معينة، وأدت إلى تحوّل نوعي في مسيرتها، ولهذا فالمنهج العلمي يقتضي أن نأخذ كل العوامل بعين الاعتبار في دراستنا لهذه المسألة. مهما اختلفت الأيدي.
إن تدهور الحضارة العربية الإسلامية لا يعني بالضرورة الموت المطلق لكل أشكال النشاط الفكري على امتداد العالم العربي والإسلامي خلال قرون الانحطاط التي أشرنا إليها، بل ظلت بعض الجهود العلمية هنا وهناك، وإن انصبّت في ميدان الشرح والتلخيص... إلخ.
إن الانحطاط لم يحدث في كل أرجاء العالم العربي والإسلامي في زمن واحد، فطلائع الانحطاط ظهرت في المشرق العربي والإسلامي منذ القرن السادس للهجرة الثاني عشر للميلاد، في حين لم تظهر في المغرب والأندلس إلا في القرن السابع للهجرة الثالث عشر للميلاد.
أهم أسباب الانحطاط هناك جملة من الأسباب التي أدت إلى تدهور الحضارة العربية الإسلامية وانحطاطها، بعضها داخلية وبعضها الآخر خارجية. أسباب سياسية: ما أصاب العالم العربي الإسلامي من تمزّق في وحدته السياسية؛ إذ حلّت الكثرة محل الوحدة، وقامت على أنقاض الدولة الواحدة ممالك ودول عدة، في مشرق العالم الإسلامي ومغربه، فإذا كانت سلطة الخليفة في العصر الأموي قد امتدت من الأندلس غربًا إلى سمرقند شرقًا، فإن هذه السلطة لم تعد تتجاوز في القرن الأخير من التاريخ العباسي السابع للهجرة الثالث عشر للميلاد مدينة بغداد وضواحيها، ولقد تعزز هذا الانقسام السياسي بتمزق الوحدة الدينية، إذ أخذ يتنافس على زعامة المسلمين، منذ القرن الرابع للهجرة العاشر للميلاد ثلاثة خلفاء: عباسي في بغداد وأموي في قرطبة، وفاطمي في القاهرة، ولاشك في أن هذه الانقسامات جميعًا أدت إلى اندلاع الحروب بين القوى الإسلامية، ودفع المسلمون عامة الثمن غاليًا من أرواحهم واقتصادهم ومدنيتهم, ويكفي أن نقرأ ما دار في المشرق العربي والإسلامي من حروب بين السلاجقة والفاطميين والعباسيين لندرك كيف استُنفدت طاقات الأمة المادية والأدبية؟ وكيف قطف الصليبيون ثمار هذه الحروب في أواخر القرن الخامس للهجرة الحادي عشر للميلاد, كما علينا أن نتذكر قصة الحروب التي دارت في الأندلس بين ملوك الطوائف وأثرها على مصير العرب المسلمين وحضارتهم.
هذه بعض جوانب قصة ضعف حضارتنا وانحطاطها، وهي قصة طويلة ومعقّدة، ومسرح الأحداث فيها واسع وفسيح, والعوامل التي أسهمت في صوغ فصولها كثيرة ومتداخلة، بحيث لا يمكن الفصل فيما بينها فصلاً قاطعًا.