عرف الإنسان بأن هناك علاقة ما بين الأرض والسماء، وتتأثر الأرض بتغيرات ما يحصل في السماء، ولاحظ الإنسان أنه عندما تشرق الشمس تستيقظ الحياة في الأرض وتغني الطيور بشروقها وتهدي الحرارة للأرض، ومن هنا اتخذ الإنسان اليوم كأبسط وحدة زمنية بشروق وغروب الشمس، واستمر التأمل البشري في السماء ليخترع وحدات زمنية أخرى، ولاحظ بأن الاختلاف في مواقع النجوم تخبره عن المواسم، البرد والحر والعواصف وغيرها، من هنا عرفت السنة والتقاويم. (وتطور الوضع به حتى وضع التقويم) حيث إن كثرة الأحداث المتتالية عبر الزمن تجعله يقوم بدوره التاريخي فيحفظ لنا الزمن، وكأنه حدث مرئي نرى من خلاله الدور التي توارت عن مسرح التاريخ، والدول التي ما زالت حية بتاريخها وحضارتها.
والتقويم خاص بالشعوب، فلكل أمة على وجه الأرض تقويمها الخاص الذي تعتز به والذي يعتبر جزءا أصيلا من هويتها وثقافتها وشخصيتها ودينها أيضا، فالمعتقدات الدينية للأمم الموجودة اليوم على سطح الأرض أسهمت بشكل كبير في نشأة التقاويم المعمول بها من قبل هذه الأمم، حيث ترمز بداية التقاويم إلى أحداث دينية عظيمة أثرت ولا تزال تؤثر في حياة الشعوب، قلبت وجه الأرض.
وكان المصريون القدماء يستخدمون السنة الشمسية التي قسموها إلى اثني عشر شهرًا تقويمًا لهم، واتخذوا الاعتدال الخريفي بداية للسنة عندهم لأنه شهر العمل والزرع وفيضان النيل عند شهرتوت، ومما يؤخذ على تقويهم هذا أنهم لم يتخذوا حادثة ثابتة يؤرخون بها، وكذلك اليونان فالتقويم اليوناني وبدايته توافق السنة التس احتل فيها سيلوسس غزة، وهو تقويم شمسي، وللرومان تقويمًا خاص بهم فاقتبس الرومان شهورهم من جيرانهم الألبان وهي عشرة شهور فقط، واتخذ الرومان بناء روما بداية لتاريخهم واستمر الأمر كذلك طوال عصور كثيرة حتى عهد الإمبراطور يوليوس قيصر الذي أمر بعد ذلك بوضع نظام ثابت للتقويم الروماني، فجعل السنة الكبيسة تساوي 366 يومًا والعادية 365 يومًا، وهذا هو التقويم الذي عدل بعد ذلك وصار التقويم اليوناني المسيحي، وسمي بالميلادي نسبة إلى ميلاد المسيح -عليه السلام- حيث جعلوا ميلاد المسيح بداية لهذا التقويم، والعرب كانوا يستخدمون السنة القمرية، والسنة الشمسية القمرية وأنهم كانوا يمارسون النسيء والكبس والازدلاف، كما أنهم اتخذوا عدة حوادث بداية لتاريخهم، منها بناء العرم، وعام الفيل، وغير ذلك، أما التاريخ الذي اعتمد فيه هذا التقويم العربي فهو يعود إلى نحو سن 412، وإن الأشهر الحالية قد اتخذت أسماءها المعروفة بها اليوم في تلك الفترة.
الأمة المسلمة كباقي الأمم، لها تقويمها الخاص الذي يعود بها إلى ذكرى مهمة، والقصة أن التقويم الهجري الإسلامي يرمز إلى الهجرة النبوية الشريفة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة؛ حيث أسس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ومن كان معه من المسلمين الصابرين نواة الدولة الإسلامية التي ما لبثت أن صارت قوة عالمية عظمى تقف ندا ّ لند، بل وتتفوق على أقوى قوتين عالميتين في ذلك الوقت وهما: الفرس، والروم.
ولم يتخذ المسلمون بداية لتاريخهم في عهد أبي بكر بسبب قصر المدة، والانشغال بحروب الردة، فلما كانت السنة السابقة عشرة من هجرة الرسول الكريم، رأى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن يتخذ المسلمين حدثًا يكون لهم عيدًا به يبدؤون تاريخهم، فجمع المسلمين وشاورهم، فمالوا إلى اتخاذ ميلاد الرسول الكريم بداية لتاريخهم، وما منهم من الاجتماع على هذا الرأي إلا اختلافهم حول يوم الولادة، فعدلوا عنه واتخذوا الهجرة بداية لتاريخهم لأنهم عاصروها جميعا وعاشوا مراحلها ساعة بساعة، فأقرهم عمر على ذلك وهكذا بدأ التاريخ الهجري.
يسمى التقويم في أغلب الدول العربية بالتقويم الميلادي؛ لأن َّعد السنين فيه يبدأ من سنة ميلاد المسيح عليه السلام كما كان يعتقد، والفرق بين السنة الهجرية والميلادية ١١ يوما، والتقويم الميلادي أقدم من التقويم الهجري، فالتقويم الهجري ظهر بعده بأربعمائة واثنى عشر عاما؛ حيث بدأ في سنة ٤١٢ ميلادية.
وقبل البعثة النبوية بـ ١٥٠ سنة وبمكة المكرمة اجتمع العرب، سواء من رؤساء القبائل أو الوفود في حج ذاك العام أيام كلاب بن مرة الجد الخامس للرسول، لتحديد أسماء جديدة للأشهر يتفق عليها كل العرب وأهل الجزيرة العربية، بعد أن كانت القبائل تسمي الأشهر بأسماء مختلفة، فتوحدوا على الأسماء الحالية.