1) تجنب حالة الإعاقة حلم كل إنسان، فهي تستنزف الكثير من جهود الدول والعائلات، فالكثير من الناس يعتقدون أن الإعاقة والعيوب الخلقية نادرة، ولكنها في الحقيقة نسبة عالية، تصل إلى ثلاث حالات لكل مائة ولادة، كما يعتقد الكثيرون أن الأسباب وراثية أو نتيجة تناول الحامل للأدوية، ولكن الحقيقة أننا لا يمكننا التعرف سوى على 10% من الأسباب. هل نستطيع القضاء على حالة الإعاقة؟ الحقيقة المرة بالنفي، فكيف نقضي على شيء لا نعرفه، يمكن أن نقضي على ما نعرفه، فقد تم القضاء على شلل الأطفال والذي كان سبباً رئيساً للإعاقة الحركية، فلم يسجل أي حالة لشلل الأطفال في السنوات العشر الماضية، كما استطعنا السيطرة على العمى والعوق الفكري الناتج من الحصبة الألمانية بالتطعيم كذلك، والسيطرة على العديد من الأمراض من خلال برامج التطعيم
2)الصلب المشقوق ليست حالة نادرة وإن كنا لم نسمع بهذه الحالة سوى في السنوات الأخيرة، وهي مرض خلقي، وهي من عيوب الأنبوبة العصبية، وتحدث حالة لكل ألف مولود، وإذا علمنا أن المواليد في السعودية في العام الماضي نصف مليون تقريباً، فهناك خمسمائة طفل تمت ولادتهم مصابون بالصلب المشقوق، وقد أثبتت الدراسات بإمكانية تفادي حدوث الحالة بنسبة تصل 50-70% باستخدام حمض الفوليك قبل الحمل.القليل من الناس يعرفون أهمية حمض الفوليك في القضاء على نوع من أنواع الإعاقة، ففي الستينات من القرن الماضي نشر بحث يوحي بوجود علاقة بين نقص أحد الفيتامينات المسمى حمض الفوليك وحدوث الصلب المشقوق وعيوب الأنبوبة العصبية، وفي أواخر الثمانينيات تم أجراء بحث تطبيقي في هنغاريا للتأكيد على أهمية حمض الفوليك وعلاقته بالصلب المشقوق، حيث تم تطبيق البحث على 5000 امرأة حامل، تم تقسيمهم إلى مجموعتين، المجموعة الأولى تم إعطاؤهن مجموعة من الفيتامينات تحتوي على حمض الفوليك، والمجموعة الأخرى تم إعطاؤهن أقراص تحتوي على بعض الأملاح ولكن لا تحتوي على حمض الفوليك، وظهرت النتائج الباهرة التي أثبتت وجود علاقة بين تناول حمض الفوليك ونسبة حدوث الصلب المشقوق.
3) وتمت بحوث تطبيقية أخرى في نفس المجال في بريطانيا وأمريكا لدى الأطفال حديثي الولادة، ولقد أثبتت جميع هذه الدراسات أن تناول حمض الفوليك قبل الحمل يمكن ان يقلل نسبة حدوث الصلب المشقوق بنسبة تصل 50-70% من الحالات.وخلال ذلك لاحظ العلماء أن تناول حمض الفوليك قبل الحمل قد قلل نسبة حدوث العديد من العيوب الخلقية خاصة الشفة الأرنبية والحلق المشقوق، العيوب الخلقية للقلب والكلى، متلازمة داون، عيوب الأطراف الخلقية وغيرها.
4) بعد نشر هذه الدراسات والبحوث، قامت العديد من الدول الأوروبية وأمريكا وأستراليا بحملات للتوعية على كيفية تفادي هذه الحالات، ففي ألمانيا قرر أن تكون الحملة مستمرة لمدة ثماني سنوات، كما قامت هذه الدول بإضافة حمض الفوليك للدقيق، ليكون موجوداً في الخبز والمعجنات وغيرها، لضمان تناول جميع النساء كمية من حمض الفوليك، وإضافة حمض الفوليك للعديد من الأغذية الأخرى. وقامت وزارة الصحة منذ عشر سنوات بالطلب من صوامع الغلال بإضافة حمض الفوليك للدقيق، وهو مطبق حالياً وإن كان الكثيرون يجهلون ذلك لعدم كتابته على عبوات الدقيق، كما صدرت توجيهات الوزارة إلى جميع المراكز والمؤسسات الصحية ونصت على وجوب تناول جميع النساء المتزوجات 400 ميكروغرام من حمض الفوليك قبل الحمل والاستمرار عليه حتى الأسبوع العاشر من الحمل، ووجه الطب الوقائي بوضع برامج تثقيف صحي لتوعية الجميع لهذا الأمر. بقي علينا كمسئولين من أطباء وإداريين أخذ الأمر مأخذ الجد وتشمير السواعد على نشر هذه المعلومات. هذه قصة نجاح نادر في منع العيوب الخلقية.