حرم الشاب على نفسه كل متعة من متع الدنيا، فلا نزهة ولا راحة، ولا حظ له في النوم العميق، ولا
الطعام الهنيء ولا شغل إلا شغل المدرسة، حبس نفسه بين كتبه ودفاتره يقرأ أناء الليل وأطراف النهار، ينتقل من هذيان الأدباء إلى طلاسمات الرياضييين والعلماء..... يدس هذا الهراء كله في دماغه ليصبه يوم الامتحان في ورقة الفحص، ثم يلقيه في مكانه، ويخرج من المدرسة فارغ الرأس كما دخلها أول مرة.
كان يخشى أن يثأر منه المدرسون الذين جرعهم الصاب وسقاهم الحنظل باعترضاته ومناقشاته وثوراته فيسقطوه في الامتحان، فجد كل الجد، ولم يدع في كتب المدرس حاشين إلا حشاها في رأسه، ولا تعليقة إلا علقها في ذاكرته، ثم دخل الامتحان بعقل من سطوح وأجسام، وخطوط وأرقام، وخرافات
وأوهام، فنجح أعظم نجاح. ..
وهل ينجح في الامتحان إلا من حفظ ولم يفهم؟ وهل تدل هذه الامتحانات إلا على قوة الذاكرة، وشدة الحفظ وإتقان المنهج المقرر؟