1) الإمام مالك ابن أنس رحمه الله آتاه الله بسطة في العلم والجسم والخلق وهي صفات نادرة، وقد اختار أن يكون درسه في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثالث المساجد التي تشد إليه الرحال، واكبر حلقة علمية في ذلك التاريخ، واختار يكون موضع جلوسه المكان الذي كان يجلس فيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قضائه وتدبير شؤون الدولة. وفتاويه للناس وكان من حسن الاختيار أنه سكن في المنزل الذي كان ينزل فيه عبدالله ابن مسعود رضي الله عنه فكان العلم يطل في المكان كما كان يطل في كل أعماله وكل الأزمان
2) وقد ولد في أسرة اشتهرت بالرواية ونشأ بين رواة محدثين ولذلك اتجه بعد أن حفظ القرآن الكريم و تفصح بالعربية إلى طلب علم الرواية والفقه وبعد أن وعى ما أدركه من علم أهل عصره اتجه عند نضوجه إلى الدرس وقد تحدث أهل المدائن والأمصار باسمه فكانت فتاويه تنشر وتذاكر في مصر والشام وبلاد المغرب كلها والأندلس
3) إن تلك المكانة ما جاءت عفوا، فلها أسباب من نشأته، ومن جهوده، ومن شيوخه، ومن شخصه؛ مما أدى إلى فيض علمه الغزير واستنباطه الفقهي السليم وإدراك مصالح الناس والعلم بالقرآن والسنة وتنقيح الرواية ونقدها بدراية عميقة مدركة وقد عاش في عصر ماجت فيه فتن كموج البحر وكان هو يركب سفينة النجاة ولا يخوض فيها ويستنقذ الدين والعلم والفقه بشخصه القوي
4) وقد كانت البيئة العامة كبيئته الخاصة توجه نحو المعرفة وطلب الرواية، فقد ولد وعاش بمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنزل الشرع الإسلامي ومعقل حكم الإسلام الأول إذا كانت قصبة الدولة الإسلامية في عهد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم
5)وكانت للمدينة أيضا تلك المنزلة العلمية في العهد الأموي إذا كانت السنن والفتاوى المأثورة حتى لقد كان الحاكم العادل عمر بن عبد العزيز يكتب إلى الأمصار يعلمهم السنن والفقه ويكتب إلى أهل المدينة يسألهم عما مضى ويعمل بما عندهم.
6) وكان في درسه يبتعد عن الغلو ولم تكن فيه جفوة ولا خشونة وقد قال بعض تلاميذه : كان إذا جلس معنا كأنه واحد منا يتبسط معنا في الحديث، فإذا أخذ في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تهيبنا كلامه كأننا ما عرفناه ولا عرفنا.